نقول: هذه الحقوق إما أن تكون لله، وإما أن تكون للآدميين، فالتي لله هي التي تكلمنا عنها، وقد يكون في بعضها خلاف، ولكن بعضها ثابت كما سنعرض إن شاء الله تعالى، ومنها حديث المرأة الجهنية الصحيح الذي فيه: ( أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته بأن أباها لم يحج، فهل تحج عنه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء )، ومعنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لنا قاعدة؛ وهي: (الله أحق بالوفاء).
وقال في الحديث الآخر: ( فدين الله أحق أن يقضى ) للتي سألت عن صيام أمها، ومعناه: أن الإنسان له أن يؤدي وللميت أن ينتفع بما أدي عنه من حقوق الله عز وجل، كما إذا مات وعليه نذر أو صيام أو حج أو ما أشبه ذلك.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعليقاً على حديث المرأة الجهنية أنه (يلتحق بالحج كل حق ثبت في ذمته من كفارة أو نذر أو زكاة أو غير ذلك).
وعليه فإن قيل: هل هذا خاص بالحج؟ نقول: لا، والدليل (الله أحق بالوفاء)، فيوفى ما في ذمة العبد بأن يفعل ذلك وليه، وكون الولي يفعل ذلك وجوباً أو ندباً مسألة أخرى، والمقصود أنه لو فعل فإن ذلك ينفع الميت.
ومن ذلك الكفارات، فلو أن رجلاً كانت عليه كفارة يمين أو غير ذلك من الكفارات؛ فلوليه أو من أراد من المسلمين أن يتطوع فيؤدي الكفارة عنه، وكذلك النذر يدخل في هذا الباب؛ لأن الله سبحانه وتعالى أحق بالوفاء، ولأن دين الله أحق أن يقضى.
والأدلة التفصيلية على هذه القاعدة كثيرة:
منها: الحديث الذي رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه )، وكذلك الحديث الذي رواه مسلم قال: ( استفتى سعد بن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه توفيت قبل أن تقضيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاقضه عنها ).
ويمكن أن يقال: إن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه من جهة تصدق عن أمه ومن جهة أخرى وفّى بنذرها، فيكون هذا دليلاً على الحالتين وعلى الأمرين.
ومن ذلك ما رواه الإمام مسلم عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال: ( بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت. قال: فقال: وجب أجرك، وردها عليك الميراث )، فانظر إلى فضل الله سبحانه وتعالى، فهذه تصدقت على أمها بجارية، فتوفيت الأم فورثت البنت الجارية، فقال: ( وجب أجرك، وردها عليك الميراث ) قال بريدة : ( قالت: يا رسول الله! إنه كان عليها صوم شهر، أفأصوم عنها؟ قال: صومي عنها، قالت: إنها لم تحج قط، أفأحج عنها؟ قال: حجي عنها ).
فدل هذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب بإسقاط الحقوق التي لله سبحانه وتعالى عن الغير، وهذا ما يدل على ثبوت هذا العمل الذي هو أصل المسألة، وهو الإهداء، خلافاً لمن أنكر ذلك من المتكلمين أو غيرهم.